مأساتنا المذهبية بين الماضي والحاضر
2016-02-28

بسم الله الرحمن الرحيم
بيان صادر عن رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المقاومة
سماحة الشيخ ماهر حمود:
مأساتنا المذهبية بين الماضي والحاضر
المأساة التي نعيش، مأساة الفتنة المذهبية المرشحة لأن تأكل الأخضر واليابس، سببها الانفصام بين الماضي والحاضر، أو بين العقيدة والسياسة، أو بين النص والتطبيق، الخ...
عندما ترى، مثلا، شبابا متحمسين لحزب الله وبطولاته، يعز عليهم أن تُوجه الإهانات إلى سيد المقاومة ورمزها وبطلها السيد حسن نصر الله، ثم وللـأسف الشديد يعبرون عن ذلك بشتم الصحابة الكرام والإساءة إلى أبطال الإسلام الذين اقتحموا الصعاب ونشروا الإسلام وأذلوا الكفر والنفاق والطواغيت، وعلى رأس أولئك الصحابة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه...
وعندما ترى في المقابل "عقلاء" من علماء السنة يُشهد لهم بالاطلاع على حقائق الإسلام ومبادئه من أوسع الأبواب، كما نرى قادة وسياسيين يحملون تجربة لا بأس بها في فهم توازنات العالم المعاصر، نرى هؤلاء وهؤلاء عاجزين عن فهم المقاومة وإنجازاتها وبطولاتها واستراتيجيتها المميزة، بل ويعملون على الإساءة للمقاومة ولمحورها وذلك بالارتكاز على الأكاذيب والافتراضات وينفقون من أجل ذلك المبالغ الطائلة بل ويصدقون الأوهام ويبنون عليها ويكذبون الوقائع الملموسة ويجحدونها، نصاب بالذهول.
السؤال الكبير هو: لماذا يعجز جمهور المقاومة أو بعض هذا الجمهور عن فهم تاريخ الإسلام كما يعجز عن فهم دور حزب الله والمقاومة، هذا الدور المرشح، ولو بعد حين، لاستقطاب العالم الإسلامي كله، وهو استقطاب سيكون أوسع بكثير مما حصل بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 بإذن الله، هذا الاستقطاب الذي لا يمكن أن يحصل دون مزاوجة الماضي بالحاضر وحقائق التاريخ بحقائق الحاضر.
هذا الجمهور يسيء إلى حزب الله ويجعله محاصرا بالمذهبية الضيقة والانحسار إلى دور محدود بالجغرافيا والانتماء المذهبي... ويعطي للمغرضين ذريعة يتطاولون بها على المقاومة، فهو مخطئ بحق المقاومة ودورها أكثر بكثير مما هو مخطئ بحق السنة وجمهور السنة، الخ..
ومن حقنا أن نتساءل بحرقة: لماذا هذا الانفصام؟ لماذا يفهم الشيعة الواقع المعاصر ويتعاملون معه وفق مبادئ الإسلام الحنيف وأبعد من التصنيفات المذهبية، فيما يعجزون عن فهم الماضي ويعجزون عن فهم بقية المسلمين وتنوع الانتماءات القومية وكيفية التعامل معهم.
وبالمقابل لماذا يعجز قادة السنة والعلماء الجهابذة عن فهم دور المقاومة وإيجابياتها المميزة التي تتجاوز المذهبية والجغرافيا؟ بل قد يكون السؤال المناسب: هل يملك هؤلاء قرارهم وهل يسمح لهم أن يفهموا الأمور كما ينبغي أم أن هنالك من يحجر على العقول والقرارات بالمال الفاسد وبجميع أنواع الضغوط؟
ومن السهل أن نحيل الموضوع إلى المؤامرة العالمية، كما أنه من السهل أن نعلن عن عجزنا عن اصلاح التاريخ وتغيير موازين القوى المعاصرة ونسلم للأمر الواقع ولما تخبئه الأيام القادمة، كما من الممكن أن نقول أن هؤلاء الذين أطلقوا الإساءات ويطلقونها من الطرفين قلة لا يقاس عليها، هنا نصبح كمن يخبئ رأسه نخبئ رؤوسنا بالرمال ونتجاوز الحقائق اليومية، فيما أن الواجب الشرعي يقتضي أن ندخل إلى الأزمة بكل جرأة وأن نتساءل كيف يكون الإصلاح؟ وأيهما قابل للإصلاح، تراكمات التاريخ أم وقائع السياسة المعاصرة؟
قد يقول قائل استنادا إلى هذا الكلام أن خطأ السنة منحصر في الموقف السياسي أما في أخطاء الشيعة تصل إلى العقائد، كما إلى التاريخ، أقول: هذا الكلام لا يمكن أن يبنى عليه خاصة وأن الجدل الفقهي والعقدي والتاريخي يحتاج إلى جهد غير عادي كما يحتاج إلى الاتفاق على المصادر الفقهية والتاريخية وعلى علم الحديث وعلى أمور أخرى مما ليس في مستطاع أحد. كما أن لنا أن نتساءل: هل التبعية الكاملة للمشروع الأميركي –الإسرائيلي واختلاق الذرائع لفتح العلاقة الآثمة مع العدو الصهيوني، وهل الحرب على أهلنا في فلسطين، هل كل ذلك وغيره أقل شأنا من الخطأ في التاريخ أو العقائد؟ سؤال لن يجيب عليه أحد بالتأكيد.
وقبل أن نسأل السؤال الرئيسي: كيف يمكن الإصلاح؟ نقول، من المؤكد أن قدرة علماء المسلمين المعاصرين جميعا من السنة والشيعة وبسبب ظروف متراكمة لا مجال لتعدادها وذكرها، عاجزون عن الولوج في قلب المسلَّمات المذهبية وعاجزون بالتالي عن إزالة ما لا يصح والاعتماد على الصحيح الذي يقرب ويثبت دعائم وحدة المسلمين حتى إشعار آخر، نقول ذلك بعد تجربة واسعة في هذا المجال.
من أجل ذلك نقول: الإصلاح يبدأ من إصلاح الموقف السياسي، ومطلوب ممن يدعي تمثيل السنة أن يخرج من الشرنقة المذهبية وأن ينظر إلى حقائق الأمور، إلى غزة كيف انتصرت، إلى لبنان كيف حرر أرضه، إلى الأمة كلها حيث طوت المقاومة صفحة الهزائم وفتحت صفحة الانتصارات وقدمتها إلى الأمة كلها، وكيف فتحت آفاق المستقبل على مصراعيه؟!!
أقول لو بدأ الإصلاح من هنا سنجد المجتمع الشيعي أو الجزء الذي يسيء إلى المقاومة بمذهبيته القابع في أوهام التاريخ متجاوبا إلى أبعد حد في عملية الإصلاح المفترضة هذه، ونحن هنا نتكلم عن تجربة لا عن افتراضات وأوهام...
مختصرا؛ يحق للسنة الحريصين على المقاومة وعلى وحدة الأمة أن يصرخوا بأعلى الصوت: أيها الشيعة أخرجوا من التاريخ أو من بعضه إلى رحاب الإسلام، ومن حق الشيعي الذي قدم للأمة العزة والانتصار أن يصرخ: أيها السنة افهموا الحاضر وتعاملوا معه بواقعية وعقلانية.. هكذا يبدأ الإصلاح... وهنا أذكر كلاما بسيطا قاله قائد ميداني من حزب الله في أحداث أيار 2008، وأنا أقول له مستنكرا: ماذا يحصل في رأس النبع يا حاج؟ قال لي بعد شيء من الشرح أن بعض الخطباء من أصحاب المناصب الرفيعة والألقاب الكبيرة قالوا كلاما لا ينبغي أن يقال فحصلت ردة فعل ثم قال: هؤلاء "زعران" الشيعة، إضمن لي عقلاء السنة وأنا أضمن لك زعران الشيعة.
من يستطيع هذا؟ الظاهر أنه لا أحد يستطيع ذلك الآن حتى إشعار آخر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولكن المستقبل القريب يحمل الكثير من الخير رغم مظاهر الشر المتراكمة.
والحمد لله رب العالمين