بيان صادر عن الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة: فشل الانقلاب في تركيا أمر إيجابي
2016-07-17

بسم الله الرحمن الرحيم
بيان صادر عن الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة:
فشل الانقلاب في تركيا أمر إيجابي
لا يخفى على أحد ما لتركيا من أهمية في العالمين الإسلامي والعربي عامة وفي منطقتنا خاصة، سواء كان ذلك ناتجا عن تاريخها العريق في المنطقة، أو عن حاضرها وتجربتها "الإسلامية" الحديثة التي يعتبرها كثيرون نموذجا يمكن الاقتداء به والسير على هداه...
ومن هذا المنطلق، ومن التزامنا الشرعي بقضايا العالمين الاسلامي والعربي، وخاصة فيما يرتبط بقضية فلسطين وما حولها، كما من باب الالتزام الشرعي في تبيان الالتباس الحاصل حول الهوية الإسلامية لسياسة أردوغان، حيث يرفعه البعض إلى ما يشبه الخليفة أو السلطان الإسلامي الذي سيعيد أمجاد الفتوحات الإسلامية، فيما يجعله آخرون مجرد منفذ لسياسة أمريكا في المنطقة.
إنطلاقا من كل ذلك نقول:
أولا: إن فشل الانقلاب في تركيا أمر إيجابي بغض النظر عن موافقتنا أو مخالفتنا لسياسة أردوغان في تركيا والمنطقة، وذلك لسببين:
الأول: أن الانقلاب العسكري يمكن أن يفتح الباب لفوضى عارمة كما حصل في بعض الدول العربية، حيث لم يكن البديل جاهزا، فتحول اسقاط النظام أو الرئيس الذي يفترض أن يكون خطوة إلى الأفضل، تحول إلى تراجع كارثي إلى الوراء بما سببه من فوضى واقتتال ودمار، الخ...
والسبب الثاني: كائنا ما كان موقفنا من أي رئيس أو أي نظام، فإن تمتعه بأكثرية شعبية ووصوله إلى الحكم عن طريق الديمقراطية أو الشورى (حسب التعبير الإسلامي)، مع بعض الملاحظات على هذا الأمر، أمر يستحق الاحترام والتقدير، ولن يكون أي انقلاب عسكري حلا لمشاكل البلاد والعباد إلا في استثناءات قليلة لا يقاس عليها...
وبالنسبة لتركيا خاصة فإننا نستذكر بألم وغصة انقلاب "كنعان ايفيرين" عام 1980 على الزعيم الإسلامي المميز "نجم الدين أربكان"، هذا الانقلاب التدميري البشع الذي أخر مسيرة تركيا نحو الحرية والإسلام المتنور عقدين كاملين من الزمن على الأقل..
ثانيا: إننا إذ نعتبر أن استقلال تركيا وتجاوزها مرحلة الانقلاب أمر إيجابي، ندعو الرئيس "رجب طيب اردوغان" إلى أن يراجع حساباته بشكل حاسم في الموضوع السوري، حيث أنه يتحمل دون أي شك جزءا كبيرا من مسؤولية الدمار والفوضى والقتل العشوائي الذي حصل في سوريا وذلك عن طريق دعمه للمجموعات الإرهابية وتزويدها بكل أنواع الأسلحة، وفتح الحدود على مصاريعها لكل عابث وناعق، كما أنه كان من الرافضين للحوار مع النظام السوري بعد أن تم إلغاء المادة الثامنة من الدستور السوري الذي ينص على حكم الحزب الواحد.
ولقد كان ممكنا أن نعتبر هذه الأخطاء من الحسابات السياسية أو الخاطئة أو أنها تسرع باتخاذ قرار ما، أو أن نحسن الظن بأنه سعي نحو الأفضل حتى ولو بالطرق غير المشروعة، لكن إصراره على الاستمرار بالأمر مدة خمس سنوات ونيف في هذه الحرب القذرة على الشعب السوري أمر لا يمكن أن يتم تجاوزه بسهولة أو أن يذكر في صفحة حسناته في الدنيا أو في الآخرة.
ثالثا: إننا إذ نشاطر مؤيدي الرئيس أردوغان موقفهم بأنه حاول أن يقوم بإنجازات إسلامية على الصعيد الداخلي، وهي إنجازات نقدرها ونحترمها، كما أنه قام بانجازات اقتصادية وإنمائية في بلاده لا تخفى على أحد، إلا أن تقويمنا لهذه الانجازات يخضع لفهمنا للإسلام، فحيث يرى كثيرون أن النظام الإسلامي مهمته أن يساعد المسلم على ممارسة شعائر دينه بشكل سليم فقط، فإننا نرى أن الواجب الإسلامي الأكبر لأي نظام اسلامي هو تهيئة الشعوب الاسلامية لمواجهة الصهيونية ومفاعيلها، ودعم المقاومة بأشكالها المتعددة في وجه المحتل الصهيوني وأعوانه، ودعم سياسة مواجهة الاستكبار العالمي، وهذا ليس موجودا في سياسة أردوغان على الاطلاق، وليس في حساباته الظاهرة، سواء كان هذا ناتجا عن عجز أمام النفوذ الأمريكي في المنطقة، أو كان ذلك ناتجا عن سوء فهم لوظيفة الحاكم المسلم.
وإنه لمن اللافت أن يجد المحبون لسياسة أردوغان الأعذار والتبريرات لاستمرار العلاقة مع العدو الصهيوني، بل وتحسينها باعتبار الخضوع للسياسة العلمانية في تركيا ولإرث أتاتورك الثقيل، ثم لا يجدون أي عذر لأخطاء من يدعم المقاومة بحق ويبذل في سبيلها الغالي والنفيس، إن مثل هذا الازدواج في المعايير لا يمكن أن يكون مقبولا في الميزان الشرعي.
رابعا: ندعو كل الجهات التي ترفع لواء الإسلام وتتنافس فيما بينها للتعبير عن الموقف الإسلامي المطلوب أن يكون رائدها في ذلك شهادة الحق وفق قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله...}، وأن يرتفعوا إلى مستوى الرسالة الإسلامية، ويكون الحق رائدهم، وألا يكون الهوى والتعصب الأعمى هو الذي يسيرهم ويملي عليهم مواقفهم.
فلقد أصبح واضحا أن مواقف "الإسلاميين" تجنح نحو إبراء من ينتمي إليهم من العيوب والأخطاء وتحميل من لا يحبون كل التبعات دون ميزان شرعي أو عقلي. وإن مثل هذا الأمر سيؤخر مسيرة الإسلام كثيرا، هي التي تعاني أصلا من التكفيريين والفجرة، ومن المتاجرين باسم الدين في وقت واحد.
وستبقى وصمة عار في جبين الدعوة الإسلامية المعاصرة اعتبار ما يقوم به المسلحون في سوريا جهادا تبذل من أجله النفوس والمهج، ويسترخص الغالي، فيما تعتبر نفس الأعمال التي يقوم بها المسلحون في سوريا في مكان آخر إرهابا يدان ويجري التبرؤ منه.
خامسا: لا شك أننا نمر في مرحلة دقيقة، اختلط فيها الحق بالباطل، والتبس على الجميع تقريبا بعض البديهيات الإسلامية.. وكل ذلك مذكور في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتن، لذلك ندعو الله تعالى أن يهدينا إلى الحق كله وأن نلقاه غير مبدلين ولا مبتدعين ولا مغيرين.
والحمد لله رب العالمين