محاضرة لسماحة الشيخ ماهر حمود في بنت جبيل بمناسبة وفاة الإمام الرضا
2016-08-12

بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله بكم و بالفكرة التي دعينا من أجلها و بالجهات التي عملت على ذلك، و طبعا نحن في هذا الوقت لن نسطيع أن نحصي للإمام علي الرضى ما له من نهضة علمية واسعة قد تلخص أو ترتكز على الحوار الذي تفضل بذكره الدكتور محمد سعد بسام، لأنه مرتكز ليس بسيطا عندما يستطيع الامام علي الرضا عليه السلام أن يناقش رؤساء الاديان جميعا على اختلاف انواعهم بلهجتهم بنصوصهم بمنطقهم ليثبت و ليقيم عليهم الحجج جميعا.
والمظهر الثاني العلمي هو هذا الحجم من التلامذة الذي تتلمذ على يده و كتبوا الكثير من الكتب، و التلميذ سر أستاذه، وواضح انه قد قام فعلا بزرع العلم في علماء حقيقين في ذلك الوقت. و المظهر الثالث الطب، العلم بالطب ووصفاته الطبية العربية التي تكتمل أو تاخذ من الطب النبوي مادة لها، حيث توسع بها كثيرا، و لعلها أيضا لو درست من منظور الطب المعاصر لآتت أكلا غير التي يتوقعها الاخرون. علما غزيرا، و موقف واضح، وتواصل مع الآخرين عندما رضي بولاية العهد، و إن كان من ظن أنه يرجح أنها لن تصل إلى منتهاها ولكنه كان يرى حكمة في التعامل مع الآخرين حتى لو ظهر عليهم ظلم او انحراف ديني او ما الى ذلك.
والسؤال الذي نطرحه هنا لاننا لا نريد ان نكرر ما سمعناه من بعض الاخوة الكرام في الكلمات السابقة، السؤال هل نستفيد او يستفيد المسلمون جميعا حق الاستفادة من تراث الائمة من علي الى الحسن العسكري عليهم السلام؟ هل نحن بالفعل على خطهم؟ و بهذا السؤال أشمل السنة و الشيعة و أزعم ان الاستفادة منهم ليست كاملة كما استطيع ان اوجه السؤال الى السنة علماء و مجاهدين و دعاة و حركات اسلامية عندما نرفع او يتم رفع الرموز الكبرى امثال عمر بن خطاب وقبله ابو بكر الصديق وعمر بن عبد العزيز الى صلاح الدين الايوبي الى عز الدين القسام الذي ياخذ اسمه دورا في فلسطين، الى العلماء الائمة الكبار الامام الشافعي وابي حنيفة واحمد بن حنبل ومالك، الى غيرهم من المحدثين الى البخاري ومسلم الى كثيرين. أرى بالفعل أن هذه الرموز العظيمة من أئمة اهل البيت كما أئمة الفقه والقادة العسكريون الذين طبعا يذهب اصحاب مذهب اهل البيت إلى تعظيم جهة دون جهة و يذهب أهل السنة الى تعظيم جهة دون جهة.
هل يستفيد الجميع من هذه الوموز أم انه احيانا تصبح هذه الرموز فقط للاعلان عن الانتماء، انا انتمي الى هؤلاء كما ينتمي المسلم بهويته الى الاسلام، او ينتمي السني الى سنيته و قد لا يؤدي الصلاة مثلا، او الشيعي الى شيعيته مثلا و لا يمارس سلوكا دينيا و ما الى ذلك. اخشى ان هذا حاصل بدرجة ما و قد تكون درجة كبيرة، بل أجرؤ أن اقول اني استطيع ان استخلص من النصوص، من نصوص العلماء جميعا وأئمة أهل البيت عليهم السلام ما يقيم الحجة على الشيعة المعاصرين، فأستطيع ان آتي بنصوص صحيحة من صحيح البخاري و مسلم و فقه الامام الشافعي و ابن حنبل الذي يعتبر اكثر تطرفا، يعني اسمحو لي ان اقول هنالك فارق بين النظرية و التطبيق، وأن التعصب يأخذ منحى فيه من حقائق الامور او بالحد يركز على نقاط معينة ليأخذ منها ما يثبت منه موقفه و يحاول ان يغفل الجانب الذي لا يخدم موفقه و هذا قد لا يصل به إلى ما وصف الله به اليهود: {أفتؤمنون ببعض الكتب و تكفرون ببعض؟ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا و يوم القيامة يردون الى اشد العذاب و ما الله بغافل عما تعملون}، لا يصل لكنه يشبه هذا الانتقاء، وأعني الجميع هل هذا ايها الاخوة الكرام ايها السادة و السيدات و الاخوات هل هذا الكلام الذي قلت منه جملة او جملتين لكن يمكن ان يفصل تفصيلا و ان ادخل بالادلة التي عنيتها، هل يعني هذا دعوى إزالة المذاهب؟ او الى التخلي عنها او إلى إنشاء مذهب جديد مثلا يأخذ من السنة شيئا و من الشيعة شيئا ليشكل مذهبا جديدا توفيقيا مثلا؟
لا، لن اصل الى هذا و ليس هذا الذي اريده لكن اريد فقط دعوة الجميع من هنا و من هنالك إلى عدم التعصب، الى ان يكون السني واعيا في ذهنه الى النهاية، و أن الشيعي له مرتكز لمذهبه، فلا يدعي ان الشيعي قد كتب الكتاب بيده و قال هو من عند الله، و نفس الكلام يوجه إلى الشيعي الذي قد يقول ان هذا المذهب كتبه الامويون او العباسيون مثلا و قالو هو من عند الله. لا هذا صحيح ولا ذلك صحيح، نعم هناك جهدا كبيرا و يصبح اليوم اكثر جدية ضمن الظروف الحالية ان نحاول ان نبحث حجم الضغط العسكري و الامني الذي مارسته الحكومات جميعا، ليس فقط الامويون و العباسيون وصولا الى المماليك و العثمانيين على أتباع اهل البيت الذي لعله بعضهم بسبب السرية و عدم النقاش و التلاقي مع الاخرين قد بالغوا في باقي الامور.
أيها الاخوة الكرام، هذا بحث أصولي قد يحتاج الى وقت وإلى جمع كبير من اهل الاختصاص. و اقول لكم ايها الاخوة الكرام للاسف ان هذا اليوم ليس موجود على ساحة العالم الاسلامي، يعني لو اننا انتقينا من علماء العالم الاسلامي جميعا من يقيمون مؤتمر لتنقية التراث مما علق به لن نستطيع في الحالة التي نحن فيها أن نصل الى مبتغانا، لا العلماء مؤهلون ولا الجمهور, بل اقول لكم أن الجمهور أقوى من علماء الدين، بحيث لو تجرأ عالم، دون أن ندخل في الأسماء، إلى بعض المسلمات المذهبيه يتعرض الى اذى يفقد حتى لقبه او حتى حياته، لسنا مؤهلين اليوم، العالم الاسلامي ليس مؤهلا للخوض في نقاش علمي حقيقي نصل به الى توافق او الى تنقية التراث من جهة، وصولا الى ما يقرب القلوب ويؤلف بين المذاهب او يقارب بالحد الادنى وصولا الى مبتغى بعيد شعاره الوحده الدينيه الإسلامية، اذا كان هذا صعبا فما هو الواجب اليوم ؟
الواجب اليوم اخواني واخواتي سادتي جميعا برايي هو بكل تواضع بما نحن عليه، كيف؟ فلنلغي التنافس في الساحة السياسية، في الشعار فيما تتطلبه الامة، هل يختلف سني او شيعي او اي احد معنا في وجوب المقاومة ووجوب تحرير فلسطين ووجوب الوقوف في وجه الاستكبار العالمي وايضا في محاولة التقريب والوحدة الاسلامية، هل يختلف واحد مع الاخر في ان هذا واجب اسلامي حتمي ضروري، من اختلف معنا اصلا ليس من لوننا وليس من نسيجنا، إذا فلنكن متوافقين في طرحنا العلمي الى حد كبير، وانقل بأن باب التقريب المطلوب اليوم هو المقاومة، هو مواجهه الاستكبار الاسرائيلي، هو بالفعل هذا النموذج العالي الذي لن نستطيع ان نقدره تقديره الحقيقي، عندما تسقط غزه مثلا هذا الصمود البطولي الاسطوري، من ان ننتصر على اسرائيل في منطقه مكشوفة لسماء مغلقه الحدود، ينتصر اهل غزة بمال ايراني سلاح شيعي وإذا شئتم بدعم سوري، بتواصل مع حزب الله، أي وحدة وأي مظهر هذا؟ أي قوة للاسلام اكبر من هذه القوة، اذا قالوا ان المقاومة او ان ايران وسوريا دعمتا المقاومة في لبنان فالتعاون بين جبل عامل وايران موجود منذ أيام بهاء الدين العاملي، منذ اربعة قرون واكثر ويتباهى الايرانيون بما بناه في اصفهان وما الى ذلك، ليس امرا بدعا في التاريخ، اما الذي حصل في غزة فهو الحدث الحقيقي.
رغم ذلك اقول لكم لمسنا لمس اليد ورأينا رأي العين انه منذ انتصار2006 بدأت سموم التفرقة المذهبيه تتضح بشكل مفاجىء لماذا؟ بعد هذا الانتصار الذي كرس الوحدة الاسلامية بشكل غير عادي، فيه دماء، فيه اموال، فيه صمود، لماذا تكون النتيجه عكسية؟ لان هناك من لا يعمل على ذلك، هنالك من ينفق على ذلك مالا غزيرا، ولان هناك من لايريد لهذه الامة ان تقوم.
للأسف افلحوا وافلحوا حتى هذه اللحظة، نحن من ايام لمسنا وقلنا بذلك على الشاشات، منذ يومين لمسنا لمس اليد كيف ضخت في العقول في المساجد في الكتب في مسائل الاعلام كميات من الحقد المذهبي رغم انه انتصار على من يصنف هكذا او ذاك، وبدأت الفتنه تفصلنا، تذكرون 25 كانون الثاني 2007 لماذا هذا التاريخ لماذا 2007 شهد تغييرا كبيرا من الشخصيات التي كانت مواليه للمقاومة، دون ان ادخل في الاسماء، لانهم عجزوا عن ضرب المقاومة بشكل مباشر فعمدوا الى ضربها بالمذهبية، وفشلت الى حد ما في 7 ايار 2008، ففشلت مؤمراتهم فقامت الحرب على سوريا وطبعا على العراق وعلى اليمن، ولكن سوريا هي القلب في هذا الامر، وللأسف رأيتم حجم الفرز المذهبي الكاذب المجرم الذي نتج عن الفتنة الكبرى في سوريا.
اليوم هذا المرشح الجديد يقول أن اوباما الذي انشأ داعش نعم صنعوا المؤامرة لكنهم للاسف الشديد لم ينفذوها كما يقول المثل من عنده طباخون لا يحرق أصابعه، فخططوا ونفذ ابناؤنا كما ورد في الحديث، حديث طويل لا اريد ان ادخل فيه لحذيفه بن اليمان منقول عن رسول الله، وحذيفه أيضا كما اظن يحترمه الجميع، يقول: يا رسول الله كنا في جاهليه وشر فاصبحنا في خير، فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: نعم ولكن فيه دخن، قال: وما دخنه يا رسول الله؟ قال: قوم يهتدون بغير هديي ويستنون بغير سنتي، قال: فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: نعم دعاة على ابواب جهنم من اجابهم اليها قذفوه فيها، قلت: صفهم لنا يا رسول الله، قال: من ابناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا"، هم التكفيريون دعاة على ابواب جهنم يتكلمون بألسنتنا وهم أبناء جلدتنا، وصلنا الى درجه أن يعلن بعضهم فرحه لأن ثغره ما قد فكت في الحصار عن حلب، سواء كانوا أغبياء أو عملاء النتيجه واحده، يقال في المثل الغشيم خيوا لابن الحرام، او يقال في المثل الانكليزي قعر جهنم معبدة بأصحاب النوايا الطيبة.
إخواني الكرام، قد يقول بعضكم، ويمكن اكثركم، أننا خرجنا من الموضوع، إسمحوا لي، إننا لم نخرج عن الموضوع، يكفينا ان نؤكد أن هؤلاء الكبار من أهل البيت منارة التاريخ، لا يستطيع احد ان يطفىء نورها ولو تعددت اشكاله، ألا يكفينا كلام الامام ابي حنيفه عندما مكث سنتين عند الامام جعفر يقول: لولا السنتان لهلك النعمان، الا يكفينا هذا الجمهور العريض الذي افسح المجال لعلي ابن الحسين ليقبل الحجر الاسود والخليفه لم يستطع الوصول، هل هذا جمهور شيعي؟ هنا الجمهور مصنف انهم مسلمون، وفيما قدمه علي زين العابدين عليه السلام من نصائح لعبد الملك بن مروان لانقاذ الدولة الاموية من الازمة الاقتصادية، وفي دعائه لأهل الثغور، من أهل الثغور إخواني؟ من هم في الصحيفة السجادية؟ من هم جنود الامويين؟ الجند المسلمون الذين هم على الثغور، تجاوزوا الاسم واسمحوا لي ان اقول ان سيدنا الرضى كان عنده ابنه واحده سماها عائشة، استصعب بعض المؤرخين ذلك فنسبوا لها اسما آخر، أليس في بيت الامام علي ابو بكر وعثمان وعائشة، أليس في الكتب فيما نقل عن الامام الذي دخل عليه احدهم يشتم ابو بكر وعمر فقال له الآيات من سورة الحشر، ثم قال: أأنت من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم واموالهم وأولئك هم الصادقون، قال: لست من المهاجرين، قال: فهل أنت من الذين تبوؤا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجه فيما اوتوا ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصه، فقال: لست من الانصار، فقال: اذا لست من الذين قال الله فيهم: و الذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك غفور رحيم، واخرجه وقال: هذا ليس من شيعتنا.
إخواني أتمنى ان تقرؤوا نهج البلاغة بنصوصه الكاملة، فهو دليل للسنه لا للشيعة في كثير من الامور لاننا فعلا ننحني بجلال امام تراث اهل البيت وبكل تواضع انا منهم ايضا، ألست الحسيني الادريسي الذي تسلسل بهذه السلاله الطاهرة بإذن الله تعالى وقد اثبتنا ذلك بالحمض النووي أيضا.
إذا اخواني سادتي، فلنضع في انفسنا حبا الى الرغبه في التغيير، وكل بنصوصه، الشيعي يجب ان يغير النصوص التي يعترف بها، والسني مطلوب منه ان يغير النصوص السنية، واسمحوا لي طالما اعطينا أمثلة من هناك، أن نعطي مثلا واحدا على الاقل في صحيح مسلم تستدعي السيده ام المؤمنين ام سلمه معاويه بن ابي سفيان وكان قد خطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول له : كيف يشتم محمد على منبره، وأم سلمه كانت جريئه في ذلك، فيقول: يا ام المؤمنين من شتمه؟ قالت شتمت علي ومن شتم علي فقد شتم محمدا صلى الله عليه وسلم، أليس الحديث يقولونه ولا يفعلونه، لا يقولون تتمه ما في تكملته ايضا، موجود في صحيح مسلم: "عمار تقتله الفئه الباغية، يدعوهم الى الجنه ويدعونه الى النار، ليس إلا مثلا بسيطا، ليس الا خلاف اجتهادي ليس خلاف جنة ونار ولم يكن عمار في تسابق، في تصويب السيوف بل اطلق مجموعة كومندس ليس عندها عمل إلا ان تتبعه لقتله وكان ابن ثمانين عاما. هل يفعَّل هذا النص في الثقافه السنيه كما لا تفعل النصوص وغيرها في الثقافه الشيعيه، ولكن من هنا حتما يأتي ذلك اليوم الموعود، الى أن يأتي في النصوص في الفتنه في الاحاديث في الاساليب، لنبطل ما يجب أن يبطل، وليثبت ما يجب أن يثبت، من هنا حتى ذلك الوقت دللنا على الطريق طريق وحده المسلمين في وجه الاستكبار العالمي حتى ياتي ذلك اليوم، يعني الواحد منا وهذا مثل عزيز علي إن كان بيتي الذي اسكن فيه فيه خلل مثل النش فيه تصدع ولا املك بيتا غيره اهدمه لاعمر بيتا اخر، فان كان في مذاهبنا تصدع ونش وغير ذلك فلنحافظ عليها حتى يأتي ذلك اليوم الذي ان شاء الله يكون قريبا لا ندري ان يمن الله علينا النعم، اليس الذي يجمعنا جميعا مع الفوارق وتاكيد الشعار القرآني: {وان هذه امتكم امة واحده وانا ربكم فاعبدون} نحن نستطيع أن نسرع في ذلك الوقت بنفوس طيبه نطلب من الله ان نصل الى ذلك اليوم وسيكون باذن الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله.